النظر لما يطبعه من تنوع وما يزخر به من مؤهلات، فإن العالم القروي يحبل بإمكانات وثروات ينبغي استغلالها وتعبئتها، لا سيما عبر الأسواق الأسبوعية. وتعتبر هذه الأسواق، بوصفها مرفقا عموميا للقرب ومكانا للعيش متجذر في التاريخ الاجتماعي والثقافي لبلادنا وبمثابة “بارومتر” للحياة القروية، فضاء تجاريا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا مهما، لكنه غير مستغل بالقدر الكافي.
واعتبارا للإمكانات التي تتيحها على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بادر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتدارس موضوع الأسواق الأسبوعية بالوسط القروي في إطار إحالة ذاتية. ويدعو المجلس، في رأيه “من أجل سياسة لتأهيل وتنمية الأسواق الأسبوعية بالوسط القروي” الذي تم إعداده وفق مقاربة تشاركية إلى بلورة رؤية طموحة يتقاسمها الفاعلون المعنيون، مع اعتماد آليات لتأهيل هذه الأسواق وتحديث بنياتها على مستوى التنظيم والتسيير.
ورغم أهمية المبادرات التي تمّ اتخاذها من لدن السلطات العمومية من أجل تنظيم التجارة المحلية والنهوض بها، فقد سجّل هذا الرأي عددا من الإشكاليات التي تواجهها الأسواق اليوم، وذلك بالنظر لما تعاني منه من المشاكل على مستوى تدبير البنيات التحتية والتجهيزات، والجوانب المتصلة باللوجستيك والتمويل، وهي مشاكل تؤثر سلبا على تنميتها وعلى السلامة الصحية للساكنة.
ويعزى ذلك إلى غياب رؤية وطنية يتقاسمها مجموع الفاعلين ويتم تنزيلها على المستوى الجهوي، وتداخل أدوار واختصاصات الفاعلين المعنيين وكذا إلى الطريقة المعتمدة في تدبير الأسواق الأسبوعية التي لا تضمن أداء اقتصاديا قويا. ويضاف إلى ذلك مشاكل ترتبط بجودة المنتجات وبالسلامة الصحية.
وعليه، ينبغي العمل على اعتماد تنظيم جديد للأسواق وفق مقاربة ترابية مندمجة مع تجديد وعصرنة وظائفها الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية والإدارية والتعبوية بما يمكّن هذه الفضاءات من الاضطلاع بدورها كاملا كرافعة للتنمية المستدامة بالمجالات الترابية وهو ما من شأنه النهوض بالتنمية الترابية وضمان استقرار الساكنة المحلية.
وفي هذا الصدد، يقترح المجلس إعداد استراتيجية خاصة بتنمية الأسواق الأسبوعية بالوسط القروي، مع الحرص على احترام الخصوصيات الإقليمية والجهوية. ومن بين التدابير المقترحة، نذكر ما يلي:
1- تشجيع إحداث أسواق جديدة عصرية مختصة، على غرار الأسواق النموذجية للمواشي التي بادرت بإطلاقها القطاعات الوزارية المعنية ومهنيّو القطاع، مع تزويد هذه الأسواق بالتجهيزات ووسائل العمل الحديثة؛
2- التقليص التدريجي لعدد المسالك غير النظامية سواء مسالك التوزيع أو مسالك التسويق وتقنين دور الوسطاء وتشجيعهم على الاندماج بشكل قانوني في المهنة؛
3- اغتنام الفرص التي تتيحها الاستراتيجية الفلاحية الجديدة “الجيل الأخضر 2020-2030″، من أجل تزويد الأسواق بمنصات لتخزين المنتجات القابلة للتلف وتحسين قدراتها في مجال تسويق المنتجات الفلاحية؛
4- تسهيل استفادة المرتفقين من الخدمات في يوم السوق عبر الخدمات المتنقلة (الأنترنت ذي الصبيب العالي، خدمات البريد، القروض البنكية، عقود الزواج، رسوم الولادة، شهادة السكنى، ….)؛
5- العمل على التأطير الصارم لمختلف المهن المزاولة في السوق (الحلاق، الإسكافي، الميكانيكي، الكهربائي، الحداد، مهنيو النقل، خدمات الإطعام ، النجار…)، مع إشراك المهنيين وتعزيز الرابط الاجتماعي فيما بينهم، وبينهم وبين زوار السوق.
6- العمل، في إطار المخطط التوجيهي لعصرنة الأسواق، على إحداث فضاءات استقبال دامجة بالسوق تخصص للأنشطة الثقافية والترفيهية.
7- تخصيص فضاءات في السوق للأنشطة الموجهة للشباب القروي (مكتبة متنقلة، أمكنة مخصصة للمسابقات الرياضية، النهوض بالمهن الجديدة المواكبة لثورة التكنولوجيات الرقمية، وغير ذلك)، مع توفير الظروف المناسبة لتفتق طاقات وإمكانات الشباب في مجال الإبداع والابتكار
8- القيام، في يوم السوق، بأنشطة التكوين والتوعية والتحسيس والإعلام حول العديد من المواضيع والقضايا والاستحقاقات ذات البعد المحلي والوطني وتبادل المعارف والممارسات الفضلى في مجال المواطنة التي من شأنها تحفيز التقارب بين الساكنة القروية بشكل أفضل.
9- الحرص على التزويد بالماء لضمان نظافة محلات التجارة والمجازر ووسائل العمل المستخدمة ووضع العدد الكافي من المرافق الصحية من أجل استعمال مهنيي السوق والزوار والمرتفقين، مع مراعاة خصوصيات النساء والأطفال والأشخاص في وضعية إعاقة؛
10- إنجاز دراسات معمقة حول الأسواق الأسبوعية في الوسط القروي، انطلاقا من تشخيص مدقق لمختلف الإشكاليات التي تواجهها هذه الفضاءات.