في مشهد اقتصادي متقلب، كشفت الإحصائيات النقدية الأخيرة عن تطورات مثيرة للاهتمام في السوق المغربية. حيث سجلت الكتلة النقدية، التي تشمل إجمالي كمية الودائع والأموال المعدنية والورقية المتداولة، زيادة ملحوظة قدرها 5.5% في نهاية غشت الماضي، لتصل إلى 1.827.2 مليار درهم. ويعود هذا النمو إلى تباطؤ زيادة الديون الصافية على الإدارة المركزية، التي انخفضت من 13.5% إلى 6.7%، بالإضافة إلى انخفاض نمو تسهيلات إعادة التمويل من 4.5% إلى 1.3%.
ووفقًا لتقرير بنك المغرب حول الإحصائيات النقدية لشهر غشت، لوحظ تسارع نمو القروض البنكية للقطاع غير المالي من 2.8% إلى 3.1%. هذا التحسن في أداء القروض قد يُعطي انطباعًا إيجابيًا حول توجه الاقتصاد نحو التعافي.
وعند النظر إلى التفاصيل، نجد أن قيمة العملات المتداولة “الكاش”، إلى جانب الودائع تحت الطلب، بلغت حوالي 1.346 مليار درهم حتى نهاية يوليوز الماضي. في حين تجاوزت ودائع لأجل وحسابات التوفير التي يمكن تحويلها إلى نقد بسهولة 187 مليون درهم، وسجلت أنواع أخرى من الأصول المالية الأقل سيولة، مثل الودائع الكبيرة، حوالي 300 مليون درهم.
تشير البيانات أيضًا إلى أن القروض الممنوحة للشركات غير المالية الخاصة شهدت تحسنًا كبيرًا، حيث تسارعت من 1.8% إلى 2.9%. ومع ذلك، تراجعت حصة القروض للأسر من 1% إلى 0.8%، في حين انخفضت حصة القروض المقدمة للشركات غير المالية العامة من 12.2% إلى 9.1%. تعكس هذه الديناميكيات تباين الظروف الاقتصادية بين القطاعات المختلفة، مما يتطلب استراتيجيات خاصة لكل قطاع.
من جهة أخرى، تسارعت تسهيلات السيولة بنسبة 3.9% بعد أن كانت 2.6%، بينما ارتفعت القروض للاستثمار إلى 6% بعد أن كانت 4.7%. هذه الأرقام تشير إلى رغبة المؤسسات المالية في دعم الاستثمارات، حتى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
أما بالنسبة للقروض العقارية والاستهلاكية، فقد استقرت نسب نموها عند 1.6% و0.8% على التوالي. على الرغم من هذا الاستقرار، ارتفعت المطالبات المتعثرة بنسبة 3.4%، مع بقاء معدلها بالنسبة للائتمان عند 8.8%. يُظهر هذا الاستقرار أهمية الحذر في اتخاذ قرارات مالية جديدة.
يكشف تقرير بنك المغرب عن تراجع في النمو السنوي للكتلة النقديةM3 ، حيث انخفضت نسبة نمو الحسابات الآجلة من 2.5% إلى 0.2%. بجانب ذلك، تراجع احتفاظ الوكلاء الاقتصاديين بصناديق الاستثمار في الأوراق المالية النقدية من -9.1% إلى -16.1%. مما يُشير إلى الحاجة الماسة لتعزيز الثقة في السوق.
وفي ظل ارتفاع النقد المتداول بنسبة 11.1% واستقرار نمو الودائع تحت الطلب لدى البنوك عند 8.5%، تبرز الحاجة إلى سيولة أكبر لتعزيز النشاط الاقتصادي.
تُظهر المعطيات المتعلقة بالقطاع المؤسسي أن الأرقام تعكس تباطؤًا في نمو الأصول النقدية للشركات غير المالية الخاصة من 9.5% إلى 7.1%. وبالنظر إلى الأسر، فقد شهدت الأصول النقدية لها نموًا بنسبة 5.4% بعد أن كانت 5.2%.
وعليه، تظل التحديات قائمة أمام الاقتصاد المغربي، مما يتطلب جهودًا مركزة من الحكومة والبنك المركزي لتعزيز الاستقرار النقدي وتحفيز النمو. إن تعزيز السياسات النقدية بشكل يدعم كل من الشركات والأسر هو أمر ضروري، حيث يبقى الأمل معقودًا على خطوات عملية لتحسين البيئة الاقتصادية الشاملة.