في زيارة دولة تاريخية للمملكة المغربية، اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته للمغرب على رأس وفد كبير ضم 122 شخصية من مختلف القطاعات الاستراتيجية الفرنسية. تعكس هذه الزيارة أهمية العلاقات بين المغرب وفرنسا، وتميزت بتوقيع العديد من الاتفاقيات الاستراتيجية التي تهدف إلى تعميق التعاون بين البلدين في مختلف المجالات لمواجهة التحديات المشتركة بشكل أفضل، من خلال تفعيل جميع القطاعات المعنية. وأكد الطرفان على أهمية التعاون الثنائي والإقليمي والدولي وتعزيز الشراكة المتميزة التي تجمع بين المغرب وفرنسا.
إنهاء “الأزمة الصامتة” وبداية عهد جديد
“الشراكة الاستثنائية الوطيدة التي أعلنها قائدا البلدين، تعد بالفعل خطوة نوعية تهدف إلى تدشين مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية. هذه الزيارة جاءت لتنهي “الأزمة الصامتة بين الرباط وباريس”، حيث أكد الجانبان على رغبتهما في تأسيس شراكة استراتيجية شاملة ومستدامة، وتبدأ تقارباً حقيقياً قائماً على مبدأ الندية. وقد حظيت الزيارة بتغطية إعلامية واسعة، محليا ودوليا، مما يعكس أهميتها الاستراتيجية.
الموقف التاريخي من قضية الصحراء
شكل خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام البرلمان المغربي نقطة تحول في الموقف الفرنسي من قضية الصحراء، حيث أكد صراحة أن “حاضر ومستقبل الأراضي الصحراوية يأتي في إطار السيادة المغربية”. كما أعلن دعم فرنسا لمقترح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية كحل واقعي ومستدام، متعهداً بمواكبة هذا الموقف في المحافل الدولية.
هذا الموقف فتح كتابا جديدا في العلاقات التاريخية التي تجمع البلدين.وقال ماكرون في نص خطابه، “أردت باسم فرنسا أن أوضح رؤية من خلال إرسال رسالة إلى الملك محمد السادس في 30 من يوليوز 2024 ونؤكد على ذلك أمامكم بالنسبة لي أن حاضر ومستقبل الأراضي الصحراوية تأتي في إطار السيادة المغربية”.
الموقف التاريخي من قضية المغرب الأولى أكدته الخارجية الفرنسية عبر اعتماد خريطة المملكة المغربية كاملة، وتصريح وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، عزم فرنسا تعزيز حضورها القنصلي والثقافي في الصحراء المغربية من أجل إحداث رابطة فرنسية.
تعزيز الشراكة الاقتصادية
رسمت الاتفاقيات الـ22 التي وقعها المغرب وفرنسا، التي تبلغ قيمتها الإجمالية 10 مليارات أورو، مسار علاقات شراكة أوسع وأوثق بين البلدين وتعكس في الوقت ذاته انفتاحا فرنسيا على المغرب، يشمل مختلف المجالات الحيوية والاستثمارات في أكثر من قطاع وأكثر من جهة بما في ذلك الأقاليم الصحراوية للمملكة، تغطي قطاعات النقل والطاقة والاستثمار والتعاون الأمني.
وهكذا تم بناء علاقات استراتيجية متكافئة في مجالات متعددة، لا تشمل فقط الجانب الاقتصادي، بل تمتد لثلاثة عقود مقبلة، وتشمل مجالات استراتيجية بالنسبة للمغرب وفرنسا، أهمها البنية التحتية، واللوجستيك، والبحث العلمي، والثقافة وغيرها من المجالات التي تضمنتها الاتفاقيات الـ 22 التي تم توقيعها أمام كل من جلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
مكنت زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، من حفاظ فرنسا على مكانتها كأول شريك اقتصادي للمغرب، حيث تنشط حوالي 1300 شركة فرنسية في المملكة، وفتحت آفاقاً جديدة للتعاون الاقتصادي، خاصة في مجالات، الصناعات العسكرية عبر شركة إيرباص، والبنية التحتية والطاقات المتجددة، والذكاء الاصطناعي، والأمن الصحي وإنتاج اللقاحات.
إضافة إلى التعاون في الملفات الاستراتيجية، حيث حدد قائدا البلدين عدة مجالات للتعاون الاستراتيجي، تشمل تعزيز التعاون الأمني والدفاعي، ومعالجة قضايا الهجرة، والتعاون في المجال الرياضي، خاصة في إطار تنظيم كأس العالم 2030، وتعزيز الحضور الثقافي والقنصلي الفرنسي في الصحراء المغربية.
تطلعات مستقبلية
تؤسس زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، لمرحلة جديدة من العلاقات الثنائية تقوم على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة، إذ أكد الطرفان على طموحهما في بناء شراكة استراتيجية متينة تعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وتفتح آفاقاً جديدة للتعاون المستقبلي، في مجالات التنمية الاقتصادية والتعاون الإقليمي في القارة الأفريقية.