خلال تقديمه لنتائج إحصاء 2024، اليوم الثلاثاء، ذكر شكيب بنموسى المندوب السامي للتخطيط، بدور المندوبية المتمثل في إعطاء صورة للواقع المغربي، عبر معطيات تساعد على تحليل الأوضاع القائمة للمساعدة في وضع السياسات، حيث تسهر المندوبية على استقلاليتها ومستوى الثقة فيها من مختلف الجهات.
يشهد المغرب تحولاً ديموغرافياً عميقاً يتجلى في تباطؤ النمو السكاني وتسارع وتيرة التحضر وشيخوخة السكان. فحسب الأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، بلغ عدد سكان المملكة حوالي 36.8 مليون نسمة في فاتح شتنبر 2024، بمعدل نمو سنوي لا يتجاوز 0.85%، وهو ما يمثل انخفاضاً ملحوظاً مقارنة بالعقد السابق.
تباين الديناميكيات الحضرية والقروية: يتميز هذا التحول بظاهرتين رئيسيتين. أولاً، التوسع الحضري المتسارع، حيث يقطن اليوم أكثر من 62.8% من السكان في المدن، مع تركز ملحوظ في خمس جهات رئيسية تضم أزيد من 71% من مجموع السكان. ثانياً، انخفاض معدل الخصوبة إلى ما دون مستوى الإحلال، حيث وصل إلى 1.97 طفل لكل امرأة، مما يعكس تحولات عميقة في البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المغربي.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية: على الصعيد الاقتصادي، يسلط الإحصاء الضوء على انخفاض معدل النشاط إلى 41.6% لمن هم في سن 15 سنة فأكثر، مقارنة بـ 47.6% في سنة 2014، وارتفاع معدل البطالة إلى 21.3%، وهو ما يبرز بشكل خاص في المناطق القروية وبين النساء. وتتفاقم هذه التحديات بسبب التفاوتات المجالية الكبيرة.
انخفاض معدل الخصوبة: السبب الرئيسي لانخفاض معدل النمو السكاني هو الانخفاض المستمر في معدل الخصوبةـ الذي انخفض من 2.5 طفل لكل امرأة في 2004 إلى 1.97 طفل لكل امرأة في 2024، وهو مستوى أقل من عتبة إحلال الأجيال (2.1 طفل لكل امرأة). وينطبق هذا الانخفاض على المناطق الحضرية والقروية على حد سواء.
ارتفاع نسبة العزوبية والشيخوخة: يترافق الانخفاض في معدل الخصوبة مع زيادة كبيرة في عدد الأشخاص غير المتزوجين. في سنة 2024، بلغت نسبة العازبين 9.4%، الذين تبلغ أعمارهم 55 عاما فأكثر، مقارنة بـ 5.9% في سنة 2014. هذا المعدل مرتفع بين النساء (11.1%) وفي المناطق الحضرية (10.3%).
وفي الوقت نفسه، تحول الهرم السكاني للمغاربة نحو الشيخوخة المتسارعة، حيث انخفضت نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا من 28.2% إلى 26.5%، وارتفعت نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا فأكثر من 9.4% إلى 13.8%. وبالأرقام المطلقة، وصل عدد السكان المسنين إلى 5 ملايين نسمة في سنة 2024، مقارنة بـ 3.2 مليون نسمة في سنة 2014، بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 4.6%.
تغييرات هيكلية كبيرة متوقعة: يطرح التباطؤ في النمو الديموغرافي، إلى جانب شيخوخة السكان، تحديات جديدة أمام المغرب:
– الصحة والحماية الاجتماعية: تتطلب الزيادة في عدد المسنين استجابة مناسبة من حيث الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية والبنى التحتية الخاصة.
– التحضر: يتزايد الضغط على المدن، مما يستدعي تنمية حضرية أكثر شمولاً واستدامة.
– الخصوبة: يجب تحليل التغيرات في سلوك المتزوجين وزيادة فرص الحصول على وسائل منع الحمل من منظور اقتصادي واجتماعي.
تشكل هذه التحولات الديموغرافية فرصة للمغرب لإعادة النظر في نموذجه التنموي وتكييف سياساته العمومية مع الواقع الجديد. فالتحدي يكمن في تحويل هذه التغيرات إلى فرص للتنمية المستدامة، مع ضمان التماسك الاجتماعي والعدالة المجالية.