انتقل حجم الدين العمومي لتونس من 7ر40 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2010، إلى 100 في المائة من هذا الناتج حاليا، باحتساب الديون المستحقة على المقاولات العمومية، مسجلا بذلك ارتفاعا صاروخيا، على مدى 10 سنوات.
وبذلك تجد البلاد نفسها وسط “دوامة جهنمية”، بما أنها مجبرة على الاستدانة كل سنة، لكي تتمكن من دفع الرواتب وتوفير الاعتمادات اللازمة لميزانيتها، وكذا سداد ديونها.
ومن الواضح أن السلطات، وسعيا منها لشراء السلم الاجتماعي، بأي ثمن، راهنت على الاستدانة والتوظيف بكثافة في الإدارة العمومية، حيث انتقل عدد الموظفين من 435 ألفا إلى 800 ألف (أي ما يعادل 72 موظفا لكل 1000 نسمة)، ليتضاعف بذلك الدين العمومي (5ر84 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2020، مقابل 7ر40 في المائة سنة 2010).
وتجد تونس نفسها اليوم، جراء الأزمة الحادة التي تعيشها المالية العمومية، واقفة في منتصف الطريق.
وبالنسبة لبلد تعاني ماليته العمومية من أزمة غير مسبوقة، فقد أصبحت الاستدانة أمرا لا مفر منه، باعتبارها السبيل الوحيد لمواجهة الإكراهات الظرفية، وليس من أجل خلق قيمة مضافة أو النهوض بالاستثمار، وسد العجز الكبير للمقاولات العمومية التي تعاني من سوء التسيير، وتسديد رواتب الموظفين، وليس مباشرة إصلاحات هيكلية كفيلة بإيقاف النزيف، وبالتالي إخراج البلاد من هذه الحلقة المفرغة.
ومن المنتظر أن يتجاوز حجم الدين العمومي، الذي يشكل عبئا ثقيلا، عتبة 90 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال سنة 2021، بينما تقدر الموارد المتأتية من الاقتراض الخارجي بأزيد من 13 مليار دينار (أورو واحد يساوي 28ر3 دينار).
ويحذر العديد من المحللين من أنه في حالة فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج جديد لدعم الاقتصاد التونسي، فإن البلاد قد تواجه خطر العجز عن سداد ديونها.
وبلغ رصيد الدين العمومي لتونس، مستوى قياسيا ب8ر92 مليار دينار في نهاية سنة 2020، مقابل 3ر83 مليار دينار سنة 2019 (+3ر11 في المائة).
والأخطر من ذلك، يتعين على البلاد أن تسدد، هذه السنة، مبلغ 3ر8 ملايير دينار من الديون الخارجية، بما فيها الفوائد والمبلغ الأساسي، وهو رقم قياسي تاريخي، على اعتبار أن متوسط مبلغ الديون الخارجية، التي تم تسديدها، خلال السنوات الخمس الأخيرة، لم يتجاوز 8ر4 ملايير دينار.
وفي الوقت نفسه، ما فتئ عبء الدين الخارجي يزداد تفاقما خلال السنوات العشر الأخيرة، منتقلا من ملياري دينار سنة 2010، إلى 8ر6 ملايير سنة 2019، حيث انتقل هذا العبء بالنسبة للناتج الداخلي الخام من 7ر5 في المائة سنة 2010، إلى 10 في المائة سنة 2020، و6ر12 في المائة متوقعة برسم سنة 2021.
ومثّل مبلغ خدمة الدين الخارجي، حوالي 16 في المائة من المداخيل الجارية سنة 2020، مقابل حوالي 9 المائة سنة 2010.
ومن غير المستبعد بالنسبة للبنك المركزي التونسي أن تصل هذه النسبة إلى 20 في المائة سنة 2021.
كما أن آفاق المستقبل لا تدعو للتفاؤل، إذ من المنتظر أن تشهد الفترة ما بين 2020-2025 اضطرابات قوية على مستوى المالية الخارجية لتونس، ممثلة في سعر الصرف الحالي للدينار مقابل العملات الدولية الرئيسية، كما سيتعين تسديد مبلغ سنوي متوسط قدره 10 ملايير دينار للمانحين، أي ثلاثة أضعاف متوسط المبلغ الذي جرى تسديده ما بين 2011 و2015.
وسيتعين تسديد أزيد من 11 و7ر10 ملايير دينار، على التوالي، خلال سنوات 2021 – 2024، برسم خدمة الدين.
وأكد عبد الحميد التريكي، وزير التنمية والتعاون السابق، أن تعبئة الموارد لدى المانحين متعددي الأطراف تبقى محدودة جدا، بالنظر إلى المستوى المرتفع للالتزامات الذي تم بلوغه، وأن اللجوء إلى الأسواق الدولية بشروط تفضيلية سيكون صعبا جدا، بعد التقهقر المتتالي لتصنيف المخاطر السيادية لتونس (سبع مرات منذ العام 2011).
ومن الواضح أن المشكل يكمن في التدبير السيء إلى حد ما للمقاولات العمومية، والتي كانت بعضها تمثل قاطرة ومصدرا لازدهار اقتصاد البلاد.
وبالفعل، فإن 14 من بين أهم 30 مقاولة عمومية توجد في حالة عجز تقني عن سداد ديونها، وهو ما يكلف ميزانية الدولة مبالغ تضخ فيها كل سنة، تتراوح بين 7 في المائة و8 في المائة من الناتج الداخلي الخام، 40 في المائة منها عبارة عن دعم، وخاصة لفائدة الشركة التونسية للكهرباء والغاز، والشركة التونسية لصناعات التكرير، ومكتب الحبوب.
ويتمثل مكمن الداء في كون حصة هامة من ديون المقاولات العمومية إزاء البنوك الوطنية والمقرضين الدوليين متعددي وثنائيي الأطراف تتم تغطيتها بضمانات عمومية، كما هو الحال بالنسبة لشركة الطيران التونسية، وشركة فوسفاط قفصة، وهما من أكبر مقاولات القطاع العمومي التونسي، توجدان على حافة الهاوية.
ويقترح الخبير الاقتصادي ووزير التنمية والمالية السابق، حكيم بن حمودة، إزاء هذا الوضع، القيام ب”تشخيص عميق” لهذه المقاولات، التي لم تنشر بعضها حساباتها منذ عدة سنوات، وإعلان “حالة طوارئ اقتصادية” من أجل إرساء إصلاحات.
ولكي تخرج البلاد من هذه الدوامة، يجمع خبراء الاقتصاد والمانحون، بصفة عامة، على أن الطريق الذي يتعين اتباعه، ليس سوى طريق الإصلاح وإعادة الهيكلة.
كما أن أبرز المانحين الدوليين لتونس، ممثلين في البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، لم يحيدوا عن التشخيص ذاته، حيث اشترطوا، من أجل تقديم الدعم لتونس، تنفيذ إصلاحات قد تبدو مؤلمة، لكن لا محيد عنها.
ويشدد أغلب الخبراء على إعادة الهيكلة، ولكن أيضا على رؤية واضحة ومباشرة إصلاحات ضرورية وتمكين البلاد من العودة إلى الإنتاجية، على اعتبار أنه بدون نمو لا يمكن القيام بأي شيء.